مَن النائمُ في سفينتِنا؟ بقلم بيير طنوس

«يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟» قال التلاميذ ليسوع النائم على وسادة في السفينة في وسط عاصفة أرعبتهم وأرهقتهم وكانت على وشك أن تغرقهم. ولا يمكن للقارئ الذي يعرف قصص العهد القديم إلا أن يتذكر قصة يونان النبي الذي هرب من وجه الرب الذي أمره أن يذهب شرقًا إلى نينوى لينذر أهلها من دينونة الله، فجاء إلى يافا وركب سفينة متجهة غربًا إلى ترشيش. فأمر الرب بحدوث عاصفة. وفي وسط العاصفة ومعركة الملاحين معها كان يونان نائمًا نومًا ثقيلاً، فجاء قبطان السفينة وقال له: “مَا لَكَ نَائِمًا؟ قُمِ اصْرُخْ إِلَى إِلهِكَ عَسَى أَنْ يَفْتَكِرَ الإِلهُ فِينَا فَلاَ نَهْلِكَ”. 

قصتان متشابهتان
لدينا تشابه في الكلمات وفي الأحداث في هاتين القصتين، ففي القصتين عاصفة، ورجل نائمٌ، وصراع ملّاحين مع العاصفة، ويأتي من يوقظ الرجل النائم، ثم تهدأ العاصفة بطريقة معجزية، فيخاف الملاحون جدًا. 

قصتان مختلفتان
لكن الاختلاف بين القصتين كبيرٌ. فقد كان يونان هاربًا من مشيئة الرب المُعلنة له أن يخدم شعبًا غير شعبه، أما يسوع فقد كان في مركز مشيئة الآب متجهًا لخدمة شعوب غير شعبه. كان نوم يسوع نومَ رجل ٍمطمئن، أما نوم يونان فكان نوم شخص يريد أن يهرب من الواقع وأن لا يتعامل معه. هدأت العاصفة في قصة يونان بعدما ألقاه الملاحون في البحر، أما يسوع فقد هدّأ العاصفة بنفسه وبقي في السفينة مع تلاميذه. خاف الملاحون في قصة يونان من الرب فقدموا له ذبائح ونذور بحسب ما عرفوه من عباداتهم، أما التلاميذ فقد خافوا عندما رأوا يسوع يأمر العاصفة بكلماته فتهدأ فسألوا سؤالًا اعتراضيًا “مَنْ هُوَ هذَا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضًا وَالْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!” فهم يعرفون جيدًا من يُطوّع الطبيعة. لذلك انتقل التلاميذ في لحظة من قلة الإيمان إلى مزيدٍ منه. وأخيرًا في قصة يونان كان الرب خارج السفينة أما في بحر الجليل كان الرب في السفينة. 

عاصفة من نوع آخر
تعصف بعالمنا اليوم عاصفة من نوعٍ آخر لم نعهده في المئة السنة السابقة. فلا نسمع صراخ الناس فيها والمصابون صامتون ولا توجد صفارات إنذار كما في الحروب التي عهدتها بلادنا في الماضي. ولا نعرف أسماء مرضى فيروس الكورونا الجديد (ففي إسرائيل لكل مريض رقم)، بل نتابع بترقّب الإحصائيات في بلادنا وفي العالم. ولا نعرف متى ستنتهي هذه العاصفة، فيسود القلق في حياتنا، فقد لا نُصاب بالمرض لكن هناك حربٌ نفسية وروحية قوية تكثُر فيها التساؤلات حول ما يحدث: هل سيموت مئات الآلاف من وباء الكورونا في العالم؟ هل سينجح العلماء في شركات الأدوية أن يطوروا تطعيمًا للمرض بسرعة قياسية؟ هل سينهار الاقتصاد العالمي نتيجة هذا الوباء فتزيد الأوبئة والمجاعات؟ هل ستُخفق الدول النامية في التعامل معه فتسود فيها الفوضى وتصبح دولاً فاشلة؟ 

السؤال الكبير
أمّا السؤال الكبير فهو أين أنت يا رب، أما يهمك أننا نهلك؟ هل أنت في السفينة؟ لم يعرف التلاميذ من النائم في سفينتهم في بحر الجليل، فخافوا خوفًا عظيمًا بعدما جربوا كل ما عرفوه عن التعامل مع العواصف، فكيف يمكن لنجّار أن يُساعد صيادين وملاحين مُخضرمين في اجتياز عاصفة تهدد بإغراقهم؟ فلم يتوجهوا إليه إلا بعدما فقدوا كل رجاء في النجاة! لكننا نعرف اليوم من الماكث في سفينتنا ونعرف أنه قادر على كل شيء، وبالرغم من أنه قد لا يقضي على هذا الوباء بمعجزة، لكنه لن يترك سفينتنا. ولذلك سنبقى في بيوتنا ولن نستخف بجميع تعليمات نظام الصحة، لكننا لن نكون خاملين نمضغ القلق ونلتهم الإحصائيات اليومية وننتظر أن ينتهي هذا الوباء كأنه لم يكن، بل نثق بالرب أن يكون معنا من البداية إلى النهاية في رحلة يزيد فيها إيماننا فيه.

شاهد أيضاً

العهدة العُمريّة – بين حريّة العبادة وحريّة الضمير – بقلم القس عازر عجاج

لا ريب أنّ كلّ باحث يحاول الوصول الى فهمٍ وافٍ لما يُعرف بـ “العُهدة العمريّة“، …