الرئيسية / مجلة الناصرة الأكاديمية / الكنيسة الإنجيلية في اسرائيل بين العزلة والاندماج

الكنيسة الإنجيلية في اسرائيل بين العزلة والاندماج

بقلم: القس البروفيسور حنا كتناشو

من أنا؟ هل أنا اسرائيلي أم فلسطيني أم عربي أم غير ذلك؟ لا شك أن موضوع الهوية جوهري للكنيسة الإنجيلية في إسرائيل. فبدون أن تعرف الكنيسة هويتها لن تستطيع أن تتفاعل مع مجتمعها ولن تستطيع أن تفهم ماضيها وتتبصر في مستقبلها. ستفقد البوصلة في تحديد تفاصيل ولائها وقيمها. وبينما لا يرتبك معظم الإنجيليين في بلادنا في تفسير كلمة الله وفي الحديث عن مصطلحات كتابية مثل “نور العالم” و”ملح الأرض”، يغوص معظمنا في أعماق الظلام عندما نحاول أن نفسر هذه الآيات في سياق العلاقات المسيحية – الإسلامية أو العلاقات المسيحية – اليهودية أوفي سياق تطوير القرية أو المدينة التي انتمي إليها أو في سياق اللافتات الإسلامية المعروضة في الشوارع والمحلات التجارية. ويصارع العديد من الإنجيليين في اسرائيل في الافتخار بجذورهم الفلسطينية وتجسيد هويتهم في دولة إسرائيل. ويصارع الإنجيليون في تحديد هويتهم وفي اختيار الألفاظ التي تعبر عنها. فمن نحن؟ هل نحن جزء من المجتمع الفلسطيني؟ هل نحن فئة منفصلة عن مجتمعنا العربي؟ هل نحن يهود أو عبرانيون؟ لا يشكّل تحديد هويتنا دعوتنا فحسب بل يشكّل أيضا مسؤوليتنا في خطة الله. فالكنيسة اليابانية مثلا مسؤولة عن نشر ملكوت الله في اليابان أولا.

ويوجد أمامنا ثلاثة احتمالات على الأقل. أولا، قد نختار العزلة والتقوقع فلا نكون جزءا من أهل هذا البلد ولا نشاركهم همومهم وافراحهم. وقد نشدد على مواطنتنا السماوية مقللين من شأن كل انتماء ارضي ومعتبرينه انتماءً دونيا يجب تقزيمه وتهميشه. اختيار التقوقع متناقض مع كوننا نور العالم وملح الأرض ومع دعوتنا كصانعي سلام ومع عقيدة تجسد المسيح ومع اختيار الله أن يفدي العالم بموت المسيح ومع تكليف المسيح لكنيسته الجامعة أن تذهب إلى العالم اجمع لتنشر ملكوت الله. بكلمات أخرى، وجودنا الآن وهنا يفرض علينا بناء الجسور مع اليهود والمسلمين والدروز والعائلات المسيحية الأخرى وسكان هذه البلاد دون استثناء. ولقد بنت العائلات الكنسية الأخرى هذه الجسور عن طريق تقديم الخدمات الطبية والتربوية والمشاركة في العيش المشترك في مجتمعاتنا دون محو خصوصيات الهوية المسيحية. فلنتعلم مما أجادوه ونتحاشى ما فشلوا فيه.

ثانيا، يرغب بعضنا في الاندماج الكامل في المجتمع الاسرائيلي أو في المجتمع الفلسطيني. فقد يعتقد البعض أننا فلسطينيون فقط متجاهلين وجودنا في دولة اسرائيل أو قد يعتقد آخرون أننا اسرائيليون فقط متجاهلين كوننا فلسطينيين. يهرول البعض في درب الأسرلة فيتصرفون كاليهود الاسرائيليين في افعالهم وردود افعالهم وفي خياراتهم وسلوكياتهم صالبين هويتهم الفلسطينية على مذبح الهوية الإسرائيلية. وهكذا يجعلون الثقافة الاسرائيلية اليهودية تهيمن عليهم فيعانون من التغريب الثقافي واللغوي وتخسر الكنيسة قدرتها على التواصل مع تاريخها وجذورها. ويسلك آخرون بصورة مناقضة فيشددون على هويتهم الفلسطينية متجاهلين العناصر الإسرائيلية في هويتهم. فيعيشون في الماضي وآلامه والإجحاف الذي ساد عليهم ويقرؤون حاضرهم ومستقبلهم بهذه العدسة التي تقطر خوفا وألما وتعزلهم عن التواصل مع المجتمع الاسرائيلي اليهودي. فيظلم مستقبلهم نتيجة للشلل الفكري وعدم اختيار الفرص لبناء مجتمع افضل. فهل نتخلى عن الماضي أم عن المستقبل؟ هل نتخلى عن جذورنا الفلسطينية أم عن مستقبلنا كمواطنين في دولة اسرائيلية تحتضن يهودا وعربا؟

لا بد من وجود خيار ثالث. هذا الخيار هو التجسد الثقافي. فعلينا كإنجيليين التواصل مع جذورنا الفلسطينية دون تجاهل السياق الإسرائيلي وخصوصياته. ويبرز هنا السؤال: كيف تستطيع الكنيسة الفلسطينية الاسرائيلية أن تقوم بالتجسد الثقافي؟ هل تفعل ذلك بالتخلي عن تاريخها أو بالتخلي عن مستقبلها. الجواب هو لا ثم لا. فلا يجب أن نتخلى عن تاريخنا ولا عن مستقبلنا. وبالرغم من صعوبة الحديث عن هذا الموضوع الشائك باسطر قليلة سأعطي ثلاث ملاحظات للكنيسة الإنجيلية الفلسطينية الاسرائيلية. (1) يجب أن تتواصل الكنيسة مع تاريخها ومع الاتقياء العرب الذين قدموا المسيح بأمانة للمجمتعات الشرق اوسطية عبر العصور. فهذا تراثنا وفيه نجد كنوزا روحية وهدايا إلهية قيمة. ويجب أن نتواصل مع الشعب الفلسطيني في فلسطين لنحافظ على مكونات تراثنا الفلسطينية ولنعزز قيمنا التربوية والاجتماعية التي نفتخر فيها. (2) يجب أن تتواصل الكنيسة مع كلمة الله دون تجاهل اسئلة المجتمع الفلسطيني الاسرائيلي. فنحن كهنة الله أمام الناس وعلينا أن نكون مستعدين للحديث عن دور الله في القرن الواحد والعشرين في اسرائيل أي الآن وهنا. (3) يجب أن يكون تجسد المسيح نموذجا نحتذي به فنقوم بتأوين تعاليمه وتأطير رسالته لنحيا بحسب دعوتنا في بلدنا. ونكون نحن رسالة الله للمجتمع الفلسطيني الاسرائيلي وللمجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي. فدعوتنا هي أن لا نخدم الفلسطينيين الإسرائيليين فحسب بل كل سكان اسرائيل ودعوتنا أن نكون جسرا ثقافيا بين الاعداء فنتقن اللغة العبرية والعربية والثقافة الفلسطينية والاسرائيلية.

ولقد خدعنا ابليس إذ ظن بعضنا أن خدمتنا هي نشر معلومات: فنتحدث عن المحبة دون أن نحياها وعن الوحدة دون أن نجسدها وعن اللطف دون أن نتبناه وعن سعة الصدر والمسامحة ونحن مقيدون بالطائفية. في الختام، أصلي أن نختار درب التجسد الثقافي ولا نتخلى لا عن تاريخنا وجذورنا ولا عن خصوصيات هويتنا الاسرائيلية فنكون اتباع المسيح الفلسطينيين الاسرائيليين. ونصبح رسالة الله للمجتمع الاسرائيلي ونجسد العدالة والسلام والمساواة والحق والمحبة التي يتشوق مجتمعنا إلى شربها والتهام أطايبها.

شاهد أيضاً

مَن النائمُ في سفينتِنا؟ بقلم بيير طنوس

«يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟» قال التلاميذ ليسوع النائم على وسادة في السفينة في …